فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

وإنما خص القلوب بالذكر لفائدة وهي أن الله تعالى جعل القلوب، محلًا للخواطر والإرادات والنيات وهي مقدمات الأفعال ثم جعل سائر الجوارح تابعة للقلوب في الحركات والسكنات والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

زيغ القلب يتسبب عن عوارض تعرض للعقل: من خلل في ذاته، أو دواع من الخلطة أو الشهوة، أو ضعف الإرادة، تحول بالنفس عن الفضائل المتحلية بها إلى رذائل كانت تهجس بالنفس فتذودها النفس عنها بما استقر في النفس من تعاليم الخير المسماة بالهدى، ولا يدري المؤمن، ولا العاقل، ولا الحكيم، ولا المهذب: أية ساعة تحل فيها به أسباب الشقاء، وكذلك لا يدري الشقي، ولا المنهمك، الأفن: أية ساعة تحف فيها به أسباب الإقلاع عما هو متلبس به من تغير خلق، أو خلق، أو تبدل خليط، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110] ولذا كان دأب القرآن قرن الثناء بالتحذير، والبشارة بالإنذار. اهـ.

.قال الألوسي:

أخرج الحكيم الترمذي من طريق عتبة بن عبد الله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الإيمان بمنزلة القميص مرة تقمصه ومرة تنزعه» والروايات بمعنى ذلك كثيرة وهي تدل على جواز عروض الكفر بعد الإيمان بطروّ الشك مثلًا والعياذ بالله تعالى، وفي كلام الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضا ما يدل على ذلك فقد أخرج ابن سعد عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول أي رب لا أزنين أي رب لا أسرقن أي رب لا أكفرن قيل له: أوَ تخاف؟ قال: آمنت بمحرف القلوب ثلاثًا، وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: «كان عبد الله بن رواحة إذا لقيني قال: اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة فنجلس فنذكر الله تعالى على ما يشاء ثم قال: يا عويمر هذه مجالس الإيمان إن مثل الإيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنا قد نزعته إذ لبسته وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته يا عويمر للقلب أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا»، وعن أبي أيوب الأنصاري «ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع إبرة من النفاق وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان».
وادعى بعضهم أن هذا بالنسبة إلى الإيمان الغير الكامل وما رجع من رجع إلا من الطريق، وأما بعد حصول الإيمان الكامل والتصديق الجازم والعلم الثابت المطابق فلا يتصور رجعة وكفر أصلًا لئلا يلزم انقلاب العلم جهلًا وهو محال والتزم تأويل جميع ما يدل على ذلك، ولا يخفى أن هذا القول مما يكاد يجر إلى الأمن من مكر الله تعالى والتزام تأويل النصوص لشبهة اختلجت في الصدر هي أوهن من بيت العنكبوت في التحقيق مما لا يقدم عليه من له أدنى مسكة كما لا يخفى فتدبر. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً}:

.قال الفخر:

اعلم أن تطهير القلب عما لا ينبغي مقدم على تنويره مما ينبغي، فهؤلاء المؤمنون سألوا ربهم أولًا أن لا يجعل قلوبهم مائلة إلى الباطل والعقائد الفاسدة، ثم أنهم ابتغوا ذلك بأن طلبوا من ربهم أن ينور قلوبهم بأنوار المعرفة، وجوارحهم وأعضائهم بزينة الطاعة، وإنما قال: {رَحْمَةً} ليكون ذلك شاملًا لجميع أنواع الرحمة، فأولها: أن يحصل في القلب نور الإيمان والتوحيد والمعرفة، وثانيها: أن يحصل في الجوارح والأعضاء نور الطاعة والعبودية والخدمة، وثالثها: أن يحصل في الدنيا سهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفاية ورابعها: أن يحصل عند الموت سهولة سكرات الموت وخامسها: أن يحصل في القبر سهولة السؤال، وسهولة ظلمة القبر.
وسادسها: أن يحصل في القيامة سهولة العقاب والخطاب وغفران السيئات وترجيح الحسنات فقوله: {مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} يتناول جميع هذه الأقسام، ولما ثبت بالبراهين الباهرة القاهرة أنه لا رحيم إلا هو، ولا كريم إلا هو، لا جرم أكد ذلك بقوله: {مِن لَّدُنْكَ} تنبيهًا للعقل والقلب والروح على أن المقصود لا يحصل إلا منه سبحانه، ولما كان هذا المطلوب في غاية العظمة بالنسبة إلى العبد لا جرم ذكرها على سبيل التنكير، كأنه يقول: أطلب رحمة وأية رحمة، أطلب رحمة من لدنك، وتليق بك، وذلك يوجب غاية العظمة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} طلبوا أثر الدوام على الهدى وهو الرحمة، في الدنيا والآخرة، ومنع دواعي الزيغ والشر. وجعلت الرحمة من عند الله لأن تيسير أسبابها، وتكوين مهيئاتها، بتقدير الله؛ إذ لو شاء الله لكان الإنسان معرضا لنزول المصائب والشرور في كل لمحة؛ فإنه محفوف بموجودات كثيرة، حية وغير حية، هو تلقائها في غاية الضعف، لولا لطف الله به إيقاظ عقله لاتقاء الحوادث، وبإرشاده لاجتناب أفعال الشرور المهلكة، وبإلهامه إلى ما فيه نفعه، وبجعل تلك القوى الغالبة له قوى عمياء لا تهتدي سبيلا إلى قصده، ولا تصادفه إلا على سبيل الندور ولهذا قال تعالى: {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19] ومن أجلى مظاهر اللطف أحوال الاضطرار والالتجاء وقد كنت قلت كلمة اللطف عند الاضطرار. اهـ.

.قال الطبري:

وفي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم، وأن يعطيهم رحمةً منه معونة لهم للثبات على ما هُم عليه من حسن البصيرة بالحق الذي هم عليه مقيمون ما أبان عن خطأ قول الجهَلة من القدَرية: أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته وإمالته له عنها، جَوْرٌ. لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان الذين قالوا: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعدَ إذ هدَيتنا}، بالذم أولى منهم بالمدح. لأن القول لو كان كما قالوا، لكان القوم إنما سألوا ربَّهم بمسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم أن لا يظلمهم ولا يجورَ عليهم. وذلك من السائل جهلٌ، لأن الله جل ثناؤه لا يظلم عبادَه ولا يجور عليهم. وقد أعلم عبادَه ذلك ونَفاه عن نفسه بقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [سورة فصلت: 46]. ولا وجه لمسألته أن يكون بالصفة التي قد أخبرهم أنه بها. وفي فساد ما قالوا من ذلك، الدليلُ الواضح على أن عدلا من الله عز وجل: إزاغةُ من أزاغَ قلبه من عباده عن طاعته، فلذلك استحقّ المدحَ مَنْ رغب إليه في أن لا يزيغه، لتوجيهه الرغبة إلى أهلها، ووضعه مسألته موضعها، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برغبته إلى ربه في ذلك، مع محله منه وكرامته عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{رَحْمَةً} مفعول لـ {هب} وتنوينه للتفخيم، والمراد بالرحمة الإحسان والإنعام مطلقًا، وقيل: الإنعام المخصوص وهو التوفيق للثبات على الحق، وفي سؤال ذلك بلفظ الهبة إشارة إلى أن ذلك منه تعالى تفضل محض من غير شائبة وجوب عليه عز شأنه وتأخير المفعول الصريح للتشويق. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وهب لنا من لدنك رحمة} سألوا بلفظ الهبة المشعرة بالتفضل والإحسان إليهم من غير سبب ولا عمل ولا معاوضة، لأن الهبة كذلك تكون، وخصوها بأنها من عنده، والرحمة إن كانت من صفات الذات فلا يمكن فيها الهبة، بل يكون المعنى: نعيمًا، أو ثوابًا صادرًا عن الرحمة.
ولما كان المسؤول صادرًا عن الرحمة، صح أن يسألوا الرحمة إجراءً للسبب مجرى المسبب وقيل: معنى رحمة توفيقًا وسدادًا وتثبيتًا لما نحن عليه من الإيمان والهدى. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب}:

.قال الفخر:

{إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} كأن العبد يقول: إلهي هذا الذي طلبته منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلي، لكنه حقير بالنسبة إلى كمال كرمك، وغاية جودك ورحمتك، فأنت الوهاب الذي من هبتك حصلت حقائق الأشياء وذواتها وماهياتها ووجوداتها فكل ما سواك فمن جودك وإحسانك وكرمك، يا دائم المعروف، يا قديم الإحسان، لا تخيب رجاء هذا المسكين، ولا ترد دعاءه، واجعله بفضلك أهلًا لرحمتك يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} تعليل للسؤال أو لإعطاء المسؤولِ وأنت إما مبتدأٌ أو فصلٌ أو تأكيدٌ لاسم إنّ وإطلاقُ الوهاب ليتناول كلَّ موهوب، وفيه دِلالة على أن الهدى والضلال من قِبله تعالى وأنه متفضّلٌ بما يُنعم به على عباده من غير أن يجب عليه شيء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والقصر في قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} للمبالغة، لأجل كمال الصفة فيه تعالى؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض الله من الخيرات شيء لا يعبأ به. وفي هذه الجملة تأكيد بأن، وبالجملة الاسمية، وبطريق القصر. اهـ.

.قال السعدي:

وقد أثنى الله تعالى على الراسخين في العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد:
إحداها: العلم الذي هو الطريق الموصل إلى الله، المبين لأحكامه وشرائعه.
الثانية: الرسوخ في العلم وهذا قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالما محققا، وعارفا مدققا، قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه، فرسخ قدمه في أسرار الشريعة علما وحالا وعملا.
الثالثة: أنه وصفهم بالإيمان بجميع كتابه ورد لمتشابهه إلى محكمه، بقوله: {يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.
الرابعة: أنهم سألوا الله العفو والعافية مما ابتلي به الزائغون المنحرفون، الخامسة: اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية وذلك قوله: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}.
السادسة: أنهم مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر، وتوسلوا إليه باسمه الوهاب، السابعة: أنه أخبر عن إيمانهم وإيقانهم بيوم القيامة وخوفهم منه، وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل. اهـ.

.قال التستري:

قال سهل: ليس للعبد حيلة سوى أن يواظب في جميع عمره على قول: رب سلم سلم، الأمان الأمان، الغوث الغوث.
قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] يعني ينبغي للموحد أن يعلم يقينًا أنه ليس كل من أجل الحق أحبه، لأن إبليس قابله بعلاء الحب فقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] وأنت الله لا يجوز أن يعبد غيرك، حتى لعنه. فليس كل من تقرب إليه قبله وليس كل من أطاعه قبل طاعته، أنه بصير بما في الضمير، فلا يأمن أحد أن يفعل به كما فعل بإبليس لعنه بأنوار عصمته، وهو عنده في حقائق لعنته، ستر عليه ما سبق منه إليه حتى عاقبه بإظهاره عليه، فليس للعبد إلاَّ استدامة الغوث بين يديه.
قال: وموضع الإيمان بالله تعالى القلب، وموضع الإسلام الصدر، وفيه تقع الزيادة والنقصان. اهـ. بتصرف يسير.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

ما ازدادوا قربًا إلا ازدادوا أدبًا، واللياذ إلى التباعد أقوى أسباب رعاية الأدب ويقال حين صدقوا في حسن الاستعانة أُمِدُّوا بأنوار الكفاية. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً أنك أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
فكأن قول الراسخين في العلم: إن كل محكم وكل متشابه هو من عند الله، والمحكم نعمل به، والمتشابه نؤمن به، فهذه هي الهداية؛ ثم يكون الدعاء بالثبات على هذه الهداية، والمعنى: يا رب ثبتنا على عبادتك ولا تجعل قلوبنا تميل أو تزيع. وهذا يدلنا على أن القلوب تتحول وتتغير؛ لذلك يأتي القول الفصل بالدعاء على الثبات الإيماني: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً أنك أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
إنهم يطلبون رحمة هبة لا رحمة حق، فليس هناك مخلوق له حق على الله إلا ما وهبه الله له. والراسخون في العلم يطلبون من الله الرحمة من الوقوع في الهوى بعد أن هداهم الله إلى هذا الحكم السليم بأن المتشابه والمحكم كل من عند الله ويعلموننا كيف يكون الطريق إلى الهداية وطلب رحمة الهبة. والراسخ في العلم مادام قد علم شيئا فهو يريد أن يشيعه في الناس، لذلك يقول لنا:
إياكم أن تظنوا أن المسألة مسألة فهم لنص وتنتهي، إن المسألة يترتب عليها أمر آخر، هذا الأمر الآخر لا يوجد في الدنيا فقط، فهناك آخرة، فالدنيا مقدور عليها لأنها محدودة الأمد ومنتهية، ولكن هناك الآخرة التي تأتي بعد الدنيا حيث الخلود، فيقول الحق على لسان الراسخين في العلم: {رَبَّنَا أنك جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أنك أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، ثم قرأ {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: «اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت: يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب؟! قال: نعم. ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله أقامه، وإن شاء أزاغه. فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة أنه هو الوهاب. قلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي. قال: بلى. قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني».